أولا : عوامل الهدر المدرسي وضعف مستوى التعليم
أو مبررات تأسيس نموذج/ منظومة المواكبة التربوية (لماذا ؟ )
لعل أهم ما يجعلنا ننادي بضرورة إنشاء نموذج/منظومة المواكبة التربوية وتعميم برامجها على كل الأطفال بل وربما على المؤسسات والعاملين بها والمرتبطين بمنظومة التعليم بشكل عام، هو حالات الاضطراب و الهدر وضعف المستوى و التي تصيب جوانب كثيرة من المنظومة في بلادنا وعموما في البلدان المغاربية وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وبخاصة في جنوبه.هذه الحالة التي تتميز في بلادنا ، بمظاهر وعوامل يمكن إيجازها كالتالي :
- غياب النظرة الشمولية والمستقبلية للإنسان المغربي المنشود والذي على المدرسة أن تسعى لإعداده وما ينتج عن ذلك من اضطراب في المناهج والبرامج وعدم ملاءمتها وتذبذب في تبني النماذج البيداغوجية الملائمة والمندمجة وعدم الاستفادة من تراكم التجارب والانتقال من نموذج إلى آخر ومن مخطط إلى آخر ، دون تقويم ودون تطوير، والرجوع باستمرار إلى نقطة الصفر؛
- العوامل المرتبطة بالعرض المدرسي والملاحظ في ضعف بنيات الاستقبال من أقسام ومدارس و مرافق و داخليات و مآوي وهشاشة تجهيزاتها أو بعدها عن الساكنة أو انعدامها أصلا،وما ينتج عن ذلك من ضعف مستوى التمدرس أو عدم تعميمه أصلا، حيث يبقى عدد مهم من الأطفال خارج المدرسة أو يتسربون منها في سن مبكرة أو “يتخرجون” بمستوى هزيل…
- الخنوع في الهام من القرارات للجهات المانحة و إملاءات مراكز الضغط…دون مراعاة الحاجيات الحقيقية للمجتمع المغربي و أولوياته ،مما يخلق حالة من انعدام الثقة فتؤثر في جودة العرض البيداغوجي وجاذبية المدرسة… ؛
- ضعف في الموارد البشرية وتسجيل الخصاص في بعض المستويات والتخصصات وسوء توزيع المدرسين والإداريين والموجهين والمفتشين و إعدادهم و تكوينهم وتحسين ظروف عملهم والإعراض عن الرفع من أحوالهم الاجتماعية و التباطؤ في تحديث القوانين الأساسية المنظمة لمهنتهم والالتفاف على مطالبهم المشروعة والمراوغة في الحوار مع ممثليهم ونقاباتهم…
-انتشار حالة من التدهور وربما الاضطراب النفس/تربوي و الأخلاقي، في منظومتنا التربوية وفي مجتمعنا بشكل عام ، سواء في الأسرة أو الشارع أو الإعلام أو النوادي … وخطر الاستمرار في هذه الوضعية التي تعوق مشاريع الإصلاح وإصلاح التعليم على وجه الخصوص وتحول دون تطورنا ونمائنا .حيث أصبحنا نلاحظ انتشارا لمظاهر السلوك السلبي بل و للسلوك المنحرف و المرضي. في مقابل ذلك نلاحظ:
- عدم حضور علم النفس وانتشاره في مجتمعنا وضعف الوعي بأهمية المقاربة السيكولوجية في مختلف مناحي الحياة وخاصة في التربية المدرسية.
- و تغييبا شبه كامل للعناية بموضوع الإرشاد و التحصين النفسي والتربية الوالدية.
- وحتى دروس علم النفس والتي توفرها برامج مؤسسات التكوين المهني ، لا تجد تطبيقا فعليا لها في المدارس و الأقسام .والسائد هو عدم معرفتنا بخصوصيات تلاميذنا السيكولوجية وبسماتهم الشخصية؛
- وعدم توفر المدرسين على الوقت الكافي والتكوين الملائم والوسائل العلمية لمعرفة تلاميذهم وإدراك حاجياتهم ومشكلاتهم…وبالتالي عدم قدرتهم على مساعدتهم والأخذ بيدهم ومواكبتهم في رسم مسارهم الدراسي والمهني.
- سيادة الارتجال في اتخاذ القرارات وضعف المراقبة والمحاسبة و الحكامة في صرف المال العام وهيمنة المركز وتدخله في كل كبيرة وصغيرة …وما ينتج عن كل ذلك من نفور وتعب نفسي لدى أطر التعليم وخاصة العمومي منه ولدى التلاميذ وأسرهم وضعف في الحافزية لديهم جميعا وفقدان روح التطوع و التضحية وضمور في قيم المواطنة وانتشار سلوكيات مضطربة وأخلاقيات انتهازية…
- عدم استثمار نتائج عمليات التقويم والافتحاص الداخلي لمشاريع ومخططات التطوير وللبرامج الإصلاحية من مثل البرنامج الاستعجالي و نتائج الافتحاص التقني النهائي له و عدم تثمين بالتالي ،ما يتحقق من تراكمات إيجابية في البرامج والمشاريع من مثل برامج التربية غير النظامية وبرنامج ثانويات التميز والأقسام التحضيرية …وبالتالي التراجع والعودة لنقطة الصفر؛
- اعتماد النماذج البيداغوجية المستوردة وعدم تكييفها وتفضيل الخبرة الأجنبية والتي تتعامل مع خبرائنا بنوع من الاستعلاء. وللتذكير فإن البرنامج الاستعجالي وضعه مكتب فرنسي للدراسات في حين وضع بيداغوجية الإدماج وسهر على تطبيقها مكتب بلجيكي؛
- الاضطراب الكبير الحاصل على مستوى تعليم اللغات ولغات التعليم؛
- فقر في الطرق والوسائل وأدوات العمل وضعف في الأساليب المساعدة على تطبيق تلك النماذج البيداغوجية وسيادة ظروف غير ملائمة للتحصيل داخل الأقسام والمؤسسات، وظهور وانتشار العنف والسلوكيات المنحرفة والشاذة؛
- ضعف في أساليب التقويم والامتحانات وسيادة التقويم النهائي ( الإجمالي) على حساب التقويم التشخيصي والتقويم التكويني ،وانعدام آليات و وسائل علمية مضبوطة لتتبع أداء التلاميذ ومرافقتهم ومواكبة مسارهم الدراسي؛
- الغياب شبه الكلي لبرامج مساعدة التلاميذ وتهيئهم لمواجهة للامتحانات الإشهادية ؛
-الاضطراب في التعامل مع موضوع الدعم التربوي ومع برامج محاربة الهدر المدرسي والذي تجلى في :
- ضعف في التتبع الفردي للتلاميذ وغموض في الخطة وفقر في العدة السوسيوتربوية و البيداغوجية. فإذا أخذنا على سبيل المثال المشروع 5 من مشاريع المخطط الاستعجالي ، المتعلق بمحاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع الدراسي، فإننا لاحظنا غموضا وسوء فهم شاب الرؤية المؤطرة للتتبع الفردي للتلاميذ. فمبدئيا يرمي التتبع حسب هذا المشروع ،إلى تكوين نظرة مجملة عن الحالة النفسية والصحية والاجتماعية والتربوية للتلاميذ، واستثمار المعطيات السوسيلوجية، ومن تم اتخاذ التدابير
الوقائية أو العلاجية، الأمر الذي لم تتضح سبل تطبيقه في واقع الممارسة في جل المؤسسات.
- كما حدث خلط بالنسبة لأهداف بطاقة التتبع الفردي للتلميذ وسبل توظيفها والتي ليست،من حيث المبدأ، أداة تقويم، بل هي وسيلة لإعطاء صورة مركبة ومختصرة عن التلميذ اعتمادا على التقويم، وتحديد الصعوبات من خلال التقويمات، وتحديد إجراءات المعالجة وفق درجة الصعوبة أو أثر التعثر.
أما مهام المتدخلين(الأستاذ، مدير المؤسسة، مجلس القسم،خلية اليقظة،المفتش التربوي…) في التتبع الفردي فكان يسودها الكثير من الغموض والتداخل وانعدام الضبط في تحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار بينهم.
- استفحال تفشي ظاهرة الساعات الإضافية والدروس الخصوصية وظهور جمعيات ومؤسسات تجارية تبيع الدعم المدرسي.
- صعوبة وضع وصفات جاهزة و نموذجية للدعم التربوي نظرا:
- لطبيعة البنيات التربوية للأقسام الدراسية،وهي بنيات جامدة وغير مرنة،ولا تسمح بالممرات والجسور،
- الطبيعة التسلسلية للبرامج ،
- تعدد أنواع التعثرات في إنجازات التلاميذ،
- وعدم تجانس مجموعات الدعم الواردة في التشخيص.
- التعثر الذي تعاني منه برامج التوجيه التربوي والمهني والصعوبات المتعددة التي تعاني منها أطر التوجيه .
فضلا عن عوامل ضعف المستوى و الهدر المدرسي التي ترتبط بذاتية التلاميذ سواء ما تعلق منها بشخصيتهم وبقدراتهم الجسمية والعقلية والوجدانية أو بوضعياتهم الاجتماعية (الفقر، الهجرة، الطلاق وتفكك الأسرة، العزلة خاصة في الأحياء الهامشية والبوادي التي تعاني من ظروف الهشاشة…) والتي تؤثر كثيرا في المسار الدراسي للتلاميذ و خاصة من يكون منهم في حاجة لمن يأخذ بيدهم ويواكب تحصيلهم ونشاطهم داخل المدرسة و خارجها.
ثانيا : المستهدفون في نموذج المواكبة التربوية ( لمن ؟)
تشكل الشريحة المستهدفة من برامج هذا النموذج المقترح وعموما من برامج التربية غير النظامية ومن حيث المبدأ ، فئة عريضة من الأطفال المحرومين من الحق في التعليم أي الذين لم يسبق لهم ولوج المدرسة أصلا و كذا المنقطعين عن الدراسة في سن مبكرة و الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة و الأطفال في وضعية صعبة وخاصة أطفال الشوارع، والمشتغلين دون سن ال15 مثل خادمات البيوت والعاملين “كمتدربين” حرفيين وخاصة في الصناعات التقليدية… والأطفال في المناطق الريفية المهمشة ، و نزلاء مراكز حماية الطفولة…
وتتحدث وثائق وزارة التربية الوطنية عن الفئات المستهدفة من برامج المواكبة ، على أساس أن العمل بالمقاربة الوقائية للاحتفاظ بأطفال التربية غير النظامية المدمجين بالتعليم النظامي وتلاميذ المستوى السادس ابتدائي والحيلولة دون انقطاعهم قبل أن ينهوا بنجاح المرحلة الابتدائية، يستدعي تحديد الفئات المستهدفة من برنامج المواكبة التربوية ، وهي :
أطفال التربية غير النظامية المدمجون بالتعليم النظامي؛
الأطفال غير الممدرسين المدمجون بالتعليم النظامي في إطار عملية “قافلة” ؛
تلاميذ المستوى السادس ابتدائي (الفتيات ) خاصة بالعالم القروي.(25% من مجموع المستفيدين).
لكننا نرى ضرورة تعميق وتعميم منظومة المواكبة التربوية لتشمل البرامج الموجهة للتلاميذ العاديين كذلك ، لاعتقادنا بأن جميع التلاميذ بمن فيهم الأقوياء والمتميزين أنفسهم ،في حاجة إلى برامج المواكبة التربوية . بل إن المؤسسات التعليمية ذاتها بجميع مكوناتها ،بما فيها من أطر إدارية وتربوية وفنية… ،في حاجة هي أيضا إلى تتبع ومواكبة وتقويم مستمر . علما بان الممارسات والأدبيات التربوية السائدة حول الموضوع ، بما فيها بعض وثائق وزارة التربية الوطنية ذاتها، تميل إلى حصر دور المواكبة في الأطفال ذوي صعوبات التعلم والذين يعانون من مشكلات…وينتمي في العادة هؤلاء الأطفال إلى الفئات الاجتماعية التي تعيش ظروف الفقر والهشاشة ويحيا أبناؤها في ظروف صعبة.
و تتجه محاولات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني وفي ضوء المعنى الضيق الذي تتبناه للمواكبة، “لإنقاذ الفئات المهددة بالفشل الدراسي والتسرب” وإن كان بشكل محدود وبنتائج هزيلة فوفقا لإحصائيات الوزارة، بخصوص المستفيدين من برامج التربية غير النظامية بشكل عام ، استفاد مابين السنوات2007-2012 حوالي 251 ألف من الفتيان و الفتيات من فرصة ثانية وعادوا إلى المدرسة ، منهم 81278 إلى السير العادي للتعليم والتدريب (67113 في التعليم الرسمي و 14165 في التدريب المهني) .
وكانت السيدة لطيفة العابدة كاتبة الدولة في التعليم المدرسي سابقا،قد صرحت بأن مجال التربية غير النظامية حقق خلال سنة 2010/ 2011 حصيلة إجمالية تتمثل في 69.273 مستفيد و مستفيدة موزعين كما يلي:
- 46.119 في إطار برنامج الفرصة الثانية بزيادة تمثل 21 %مقارنة مع حصيلة الموسم التربوي 2009 / 2010 و قد ثم إدماج 23.353 مستفيد و مستفيدة منهم 20.068 بالتعليم النظامي و 3.285 بالتكوين المهني.
- 2.717 تلميذة و تلميذ في إطار برنامج المواكبة التربوية الموجه لأطفال الفرصة الثانية المدمجين بالتعليم النظامي.
- 20.437 تلميذة و تلميذ تمت إعادة إدماجهم في المدرسة من خلال عمليات التعبئة الاجتماعية في إطار عملية ” قافلة ” و عملية ” من الطفل إلى الطفل “.(لطيفة العابدة،2011).
وحاليا وحسب إحصائيات رسمية لمديرية التربية غير النظامية ، فإن عدد المسجلين في برامج التربية غير النظامية (موسم 2013 – 2014) ، بلغ كالتالي:
- المسجلون ببرنامج الفرصة الثانية 24 544 ، و المدمجون مباشرة في إطار برنامج المواكبة التربوية بلغوا 286 و المستفيدون من برنامج المواكبة التربوية (الجمعيات) 109.
لكن ما ينبغي التنبيه إليه ونحن نقرأ هذه الإحصائيات التي يصعب فهمها في بعض الأحيان ،هو ضرورة وضعها في إطارها وقراءتها في سياقها الصحيح، فعندما يقال مثلا بأن نسبة الإدماج انتقلت من 5 إلى 34 في المائة من المسجلين، يحق لنا أن نتساءل عن ما معنى الإدماج وما طبيعته وما حدوده وهل كل من وبمجرد أن يسجل في برنامج من برامج محو الأمية أو التربية غير النظامية نقول عنه لقد “تعلم و اندمج”،تعلم ماذا واندمج في ماذا؟ ثم أل 34 في المائة هي من كم ؟ فإذا كانت من 350 ألف من المنقطعين والمطرودين سنويا ،فإن تلك النسبة تبقى أقل من 8 في المائة، خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار عدد المسجلين سنويا في تلك البرامج والذي لا يتجاوز معدل 25 ألف ، والسؤال أين يذهب أزيد من 90 في المائة الباقون؟، وهذا رقم مخيف وحقيقة جد مقلقة.
ونحن هنا لا نسائل مديرية التربية غير النظامية وحدها و المعنية بشكل مباشر بالموضوع، والتي تشتغل معتمدة اعتمادا كبيرا على منشطي ومنشطات الجمعيات المتطوعة والذين لم تسوى لحد الآن أوضاعهم الإدارية ولم يتم إدماج عدد كبير منهم . ومعتمدة كذلك على بعض المتطوعين من مدرسي ومفتشي التعليم العمومي… بل نسائل الوزارة والحكومة ككل و المطالبة حاليا وبسرعة ، بتدارك أزمة التعليم النظامي و غير النظامي ورفع مستواه وتجويد نتائجه والحد مما تفرخه هذه الأزمة من آثار سيئة وخطيرة وإيجاد بالتالي وعلى وجه الاستعجال، مخرجا لأزمة التعليم والعمل بجد و بتضافر جهود كل الوزارات والقطاعات المعنية والخواص والمجالس المنتخبة والجمعيات… للحد من الهدر المدرسي وإيجاد حلول ناجعة لإشكالية الأطفال في وضعية صعبة وإنقاذهم من الضياع.