طارق بن زياد Admin
المساهمات : 732 تاريخ التسجيل : 06/07/2013
| موضوع: مهنة التعليم بين المنحة والمحنة 2/7/2014, 11:22 | |
| مهنة التعليم بين المنحة والمحنة رسالة التعليم من أشرف الرسالات وأكثرها نبلا. قال الإمام الغزالي « إن أشرف مهنة وأفضل صناعة يستطيع الإنسان أن يتخذها حرفة له هي التعليم »..
وكيف لا تكون كذلك ، والتعليم مهنة ربانية. فالله تعالى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ، وعلم آدم الأسماء كلها . والمعلمون هم ورثة الأنبياء ، لأنهم يرفعون عن الناس الجهل وينقلونهم إلى نور العلم والإيمان والمعرفة. وهم المستحقون لأجر العمل ، وشكر العباد والثواب من الله يوم المعاد. و نبينا الأكرم عليه من الله الصلاة والسلام يقول:
"إن الله تعالى وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، حتى الحوت في البحر ليصلُّونَ على معلم الناس الخير" صحيح الجامع.
فمهنة التعليم إذن : منحة ونعمة وحجة لمن تقلدها وأخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها ، وتقربَ بها إلى الله. و بالمقابل ، قد تصير محنة ونقمة وحجة على من غش فيها ، يجني ويلاتها يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لوأن بينها وبينه أمدا بعيدا.
فهي منحة لمن عرف قدر الأمانة الغالية الملقاة على عاتقه، والرسالة الكبرى التي يؤديها. و فقه حق الفقه قوله صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه. وعرف أن الله عز جل استرعاه على فلذات أكباد عباده المسلمين. وشأن المؤمن أن يحفظ الأمانة ويرعاها. قال صلى الله عليه وسلم « إن الله سائل كلَّ راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضيع »صحيح الترغيب ،
وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الأنفال27
هي منحة لمن يستحضر أنه في عبادة وعمل عظيمين . وأن تعليم الناس الخير من أجل القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تبارك وتعالى. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ...) حسنه الألباني
يقول الإمام النووي رحمه الله عزوجل ( ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله، وألا يجعله وسيلة لغرض دنيوي. فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات ليكون ذلك حاثا له على تصحيح النية ...)
هي منحة لمن علم أن الله رقيب عليه ، وأدرك أنه مسؤول عن أعماله، فمجزى عنها كيلا بكيل ، ووزنا بوزن . ويدفعه ذلك إلى مزيد من الجد والاجتهاد ..إلى مزيد من البذل و التضحية والعطاء. فتجده يفنى و يذوب من أجل تبليغ رسالته. ويكد دون انتظار لشكر الشاكرين أو ثناء المثنين أو التفات لقدح القادحين .
طمعا فيما عند الله - سلعة الله الغالية- التي لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يعبر إليها إلا على جسر من التعب، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات» رواه مسلم.
وقال كذلك « من خاف أدلج( سار بجد ونشاط وصبر) ، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» السلسلة الصحيحة
هي منحة لمن كان حريصا على تلامذته ، يسعى حثيثا لإفادتهم ويضني نفسه ليزرع في نفوسهم حب الخير وفعله، ويتفقد مواطن الضعف والقوة لدى كل واحد منهم ، فيسعى لعلاج ضعف الضعيف ويشد من أزر المتفوق ويشجعه..
هي منحة لمن عرف أن وقته في مدرسته ملك لمتعلميه. قد اشتري منه بالراتب الذي يستلمه. قُدّر نفعه بالزمن ، فيلزمه
تفريغ هذا الزمن للعمل فقط .فلا يحضر متأخرا،ولا يخرج
مبكرا ، ولا ينشغل عن تلامذته بحديث مع زميل، ولا بقراءة كتاب أو جريدة أو.... يحاسب نفسه على الوقت كما يحاسبها على قيمة العطاء ونوعيته .حتى لا يصيب مالاً لا حق له فيه. فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول: « إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به » سلسلة الأحاديث الصحيحة.
هي منحة لمن غلب جانب المصلحة العامة على جانب المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية - ولو كانت حقاً خالصاً- وعلم أن الغاية المشروعة، لا ينبغي أن تنال إلا بالوسيلة المشروعة. ولم يفته أن حق الإضراب مثلا وسيلة تكفله القوانين الوضعية. لكنه في قطاع التعليم -خاصة- "ظلم" و "استهتار" بمصالح التلاميذ الأبرياء. والظلم ظلمات يوم القيامة. قال تعالى : ﴿ وقد خاب من حمل ظلما﴾ طه. أي يوم القيامة. فإن اللّه سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء.
هي منحة لمن كان قدوة في أمور الخير. يتشرب منه متعلموه محاسن الأخلاق، وينتفعون منه بمكارمِ الآداب .ضابط لسلوكه وتصرفاته .. قدوة في الأقوال والأفعال.. نقي السريرة .. صبور على متعلميه، لا يعرف السباب ولا الشتم ولا اللعن ولا الاستهزاء طريقا إلى قاموس مفرداته . مدرك بأن دوره لا يقتصر على بسط المعلومة والمعرفة، بل يتعدى ذلك إلى غرس الأخلاق والقيم النبيلة في نفوس الناشئة.. فحق هذا أن يقال عنه - حتما -:
كاد المعلم أن يكون رسولا.
فهنيئا لمن كان هذا حاله.
بأمثال هؤلاء يحيا الأمل في النفوس،
وتتوق الأمة إلى استعادة عصر الأمجاد والعزة.
فليسعد بالذي يسره : فله من الله فضل جزيل.. ومن التاريخ والأمة ثناء جميل ..ومن الجميع هيبة ووقار وتقدير ...
وعلى النقيض تماما
فهي محنة لمن لم يعطها حقها، ولم يؤدها على وجهِها. واتسم سلوكه بالتقصير والإهمال. فلم يكن على قدر المسؤولية . فهو مؤتمن لكنه خائن . وأعظم ما تكون الخيانة ، إذا كانت في
تضييع حقوق أبرياء لا حول لهم ولا قوة.
هي محنة لمن ينظر إلى هذه الوظيفة على أنها غنيمة باردة، ولقمة سائغة، وفرصة للتربح دون حسيب ولا رقيب . ونسي أن هذا مال فيهِ حق اليتِيم والمسكِين، والأرملة والضعفاءِ والمعوقِين...فلا يحل له أخذه إلا بحقه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة» البخاري.
ومن أخذ شيئاً لايحق له من هذه. فإنه من الغُلول الذي يأتي به يوم القيامة قال تعالى: ﴿ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾آل عمران 161
هي محنة لمن لا يستشعر جسامة المسؤولية المنوطة به. كل همه وفكره مع الترقيات و الزيادات و العطل والاعتصامات... لسان حاله يقول : نفسي.. نفسي .. يسير وفق المعادلة غير العادلة: " أعطي من العلم بمقدار ما أنال من أجر " ويا ليته يفعل...
أعماه الكسب السريع واللهاث وراء المال. حتى أصبحت الدنيا مبلغ علمه ومنتهى آماله . بل قاده جشعه إلى امتهان مهن لا تليق بشرف مهنة التعليم ، كالسمسرة وغيرها حتى أضحى مجالا للسخرية و التندر .
هي محنة لمن دأب على البحث عن المبررات للتملص من مهمته: تارة بالإضرابات وتارة بالشواهد الطبية المكذوبة (شواهد الزور).وطورا تحت مسمى التفرغ النقابي أو الجمعوي .وأحيانا أخرى بالالتحاق بطابور الأشباح ، بعد شراء ذمم بعض المسؤولين أو الاحتماء تحت مظلة بعض النافذين ...ويتناسى اليوم الذي سيتبرأ فيه المتبوعون عن الأتباع. قال تعالى : ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ البقرة 167
هي محنة لمن ظلم وغدر.. لمن لا يلقي لمتعلميه بالا ، ولا يقيم لهم وزنا .يشغلهم - في فصله- بكثرة الواجبات المكتوبة المضنية ، والتناوب على القراءات الفردية المملة، ليتفرغ إلى الاستعداد لامتحان جامعي أو مباراة مهنية ..أو تصفح شبكات الانترنيت أَو تبادل المراسلات بالجوالات..أو حديث في هاتف أو مع زميل... وما ذلك إلا عين الغدر، وتحيّل ممقوت، يحسبه الخائن شطارة وشجاعة، بل هو لؤم وجبن.. ووصمة عار في جبينه ، ووسام ذل وخيانة يحيط بعنقه ، ولصوصيّة بامتياز .. فالويل له - كل الويل - من قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان » أخرجه البخاري في الأدب
هذا الصنف من المدرسين ، شوهوا سمعة هذه المهنة الشريفة التي كاد أصحابها أن يكونوا رسلا ، و خسروا احترام و تقدير المجتمع.و هم – في اعتقادي – بلاء مسلط على المنظومة التربوية ، وأحد أسباب تدهورها. لكنه سبحانه وتعالى يبشر المظلومين بقوله : ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴾ إبراهيم43
ويا ليتهم عرفوا ما في تضييع الأمانةِ من وعيد شديد. فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصاتها حفاة عراة غرلا، فلا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يُضرب الصراط على متنها, وينادي الله جل جلاله بأن يسير العباد عليه، وعندها تكون دعوة الأنبياء: اللهم سلّم سلم.
ثم « قامت الأمانة والرحم على جَنبتَي الصراط» مسلم، أما الأمانة فإنها تُكبكِب في نار جهنم كلَّ من خانها، وأما الرحم فإنها تزِلّ قدمَ من قطعها وظلمها.
فهنيئا لمن قام بحق الأمانة، فجرى على الصراط بغير هياب
و لا وجل، و الحسرة و الندامة -حيث لا تنفع حسرة و لا ندامة - على من تساهل فخان، و سقط وغدر....
فليتفقد كل من يتصدى لهذه المهمة الجليلة نفسه، وليخلص في
أداء رسالته..يقدرها حق قدرها ..يوفيها حقها ..يتحمل في سبيل ذلك المشقة والجهد والعناء .ويعلم أنه الأمل المنشود لبناء الأمة .
وسيكون ممن يكسبون قلوبا تتعلق بهم ..إذا حضروا ذكروا بخير وإذا غابوا ذكروا بخير وإذا ماتوا ذكروا بخير ..وكانوا أحق بالحب والإكرام..لا ممن ينسى اسمه ورسمه ويكون لسان حال الجميع ومقالهم:مستريح ومستراح منه.
وليتذكر - في كل حين- قوله تعالى :
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ الإسراء
﴿واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾البقرة281
. | |
|